6 ــ مدينة الجزائر العاصمة .... الجزائر الكولونيالية
في العقود الأولى للاحتلال الفرنسي الذي أرادوه من أول الأمر إحلالياً استيطانياً من جهة، وتدميرياً للشخصية المعنوية لكيان وقف في وجه الطموحات التوسّعية الأوروبية لأكثر من ثلاثة قرون من جهة أخرى، بدأت فرنسا بعمليات هدم واسعة استهدفت أولاً الإقامات والقصور ولكل ما يرمز لوجود "الدولة" ما قبل 1830م.
فعلت ذلك فرنسا من أجل ترسيخ النظرية الكولونيالية المعروفة التي تهدف إلى نفي أي "وجود دَوْلَتي" سابق للاستعمار، وتشييد مكانها ساحات عمومية أو مبان عامة عسكرية أو مدنية، ذات طابع باريسي هوسماني، أو أندلسي حديث (نيو-موريسكي).
كانت باب الواد وباب عزون بالإضافة إلى الواجهة البحرية والميناء من أولى المناطق التي استهدفها هذا الهدم الممنهج، الذي سمح للمدينة الكولونيالية الجديدة التي استقبلت المستوطنين من فرنسا ومن باقي الدول الأوروبية، بالتوسّع على حساب أسواق وأسوار المدينة القديمة التي هُمِّشت وتراجعت مساحتها، وقُضي على حرفها وصناعتها التقليدية. كما صُودرت الأراضي الزراعية لسكانها في ضواحيها القريبة، فخلق الاستعمار الفرنسي عشية بداية مشروعه الاستيطاني تحوّلات ديموغرافية كبيرة مثَّلت فعلياً النواة الأولى لفصل عنصري حاد بين سكان المدينة المسلمين، بعد أن منح لليهود الجنسية الفرنسية وبين الوافدين الأوروبيين.
يؤكّد الكثير من الباحثين أن الاستعمار الفرنسي كان بإمكانه أن يبني مدينةً أوروبيةً جديدة في مناطق قريبة أكثر ملائمة بدل بنائها على أنقاض المدينة القديمة بشكل سلّم مدرج، لكن ذلك لم يكن يفي بحاجاته لتكريس استعمار استيطاني ينسف ما هو موجود ويحل محله.
أضحت مدينة الجزائر الكولونيالية عاصمةً للجزائر الفرنسية، توجد فيها مؤسّساتها الاستعمارية المركزية، ومن مينائها يتجسَّد اقتصاد تابع في خدمة المركز (المتروبول)، فمنه تُنقل ثروات البلاد من معادن ومزروعات ومواش، ومن خلاله تصل المواد الصناعية لتُوزَّع على أسواق البلاد.
عبد الله بن عمارة ــ بتصرف ــ